بطلان الضبط والتفتيش

بطلان الضبط والتفتيش فى الكويت 2025


مقدمة: حماية الحقوق عبر بطلان الإجراءات القانونية

تعد إجراءات الضبط والتفتيش من الدعائم الأساسية في أي نظام عدالة جنائية، إذ تمثل أدوات حيوية لسلطات إنفاذ القانون للكشف عن الجرائم وجمع الأدلة اللازمة لملاحقة المتهمين. تبدأ العملية الجنائية غالبًا بهذه الإجراءات، التي تهدف إلى تحقيق العدالة وكشف الحقيقة. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الأدوات يجب أن تتوازن مع ضمانات حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية. القانون الكويتي، ممثلاً بقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17 لسنة 1960 وتعديلاته ، يضع ضوابط صارمة لتنظيم هذه الإجراءات، وذلك لحماية الأفراد من أي تعسف أو انتهاك لحرماتهم الشخصية، ومساكنهم، ومراسلاتهم.  

إن التفتيش في أساسه هو إجراء قانوني كفله القانون لرجال الشرطة أو الجهات المختصة، ولكن بضوابط معينة لضمان الحد من سوء استخدام هذا الحق أو التعسف في استعماله. هذه الضوابط لا تهدف إلى عرقلة عمل العدالة، بل إلى ضمان أن يتم جمع الأدلة بطرق مشروعة تحترم كرامة الإنسان وحقوقه الدستورية. فإذا ما تجاوزت هذه الإجراءات حدودها القانونية، فإنها تفقد مشروعيتها، ويصبح ما بني عليها باطلاً.

في حال وجود أي مخالفة لهذه الضوابط، يبرز دور المحامي المتخصص في الدفع ببطلان إجراءات الضبط والتفتيش. هذه الدفوع القانونية، إذا ما ثبتت صحتها، قد تؤدي إلى استبعاد الأدلة المستمدة من الإجراءات الباطلة، وبالتالي قد ينتج عنها براءة المتهم. إن دور المحامي في مثل هذه القضايا حاضر بقوة، نظرًا لأن الدفع ببطلان الإجراءات نظراً لعدم صحة التفتيش يعتبر ثغرة قانونية يلجأ إليها المحامي في بعض الأحيان لضمان حق موكله القانوني في تفتيش صحيح بحالاته المحددة قانوناً. هذا يؤكد أن القانون الكويتي يولي أهمية قصوى للجانب الإجرائي، معتبراً أن الطريقة التي يتم بها جمع الأدلة لا تقل أهمية عن الأدلة نفسها. فالعدالة لا تتحقق فقط بإدانة المذنب، بل بتحقيقها وفقاً لمبادئ القانون والإنصاف.  

مفهوم الضبط والتفتيش في القانون الكويتي

لفهم أسباب بطلان إجراءات الضبط والتفتيش، من الضروري أولاً تحديد مفهوم كل منهما في سياق القانون الكويتي.

تعريف التفتيش وأهدافه

عرف القانون الكويتي التفتيش بأنه إجراء من إجراءات التحقيق تقوم به الجهة صاحبة الاختصاص، والهدف منه جمع الأدلة المادية للجريمة، سواء كانت جناية أو جنحة، لنسبتها للمتهم. التفتيش ليس غاية بحد ذاته، وإنما وسيلة لغاية تتمثل فيما يمكن الوصول من خلاله إلى أدلة مادية تساهم في بيان وظهور الحقيقة. هذا يعني أن التفتيش يجب أن يكون موجهًا نحو هدف محدد يتعلق بالجريمة قيد التحقيق، وليس مجرد بحث عشوائي.

تعريف الضبط (القبض) وأهدافه

أما الضبط، والذي يعرف قانوناً بالقبض، فهو ضبط الشخص وإحضاره، ولو جبرًا، أمام المحكمة أو المحقق، بموجب أمر صادر منه، أو بغير أمر، في الحالات التي ينص عليها القانون. يهدف الضبط بشكل أساسي إلى وضع المتهم تحت تصرف الجهات القضائية لتمكين التحقيق معه، وضمان عدم هروبه، أو تأثيره على سير العدالة، أو إخفاء الأدلة.  

الأساس القانوني

ينظم قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي (القانون رقم 17 لسنة 1960) إجراءات الضبط والتفتيش بشكل مفصل. يحدد هذا القانون الشروط والضوابط التي يجب الالتزام بها لضمان مشروعية هذه الإجراءات، ويؤكد على حماية حرمة الأشخاص، ومساكنهم، ومراسلاتهم. هذه الحماية الدستورية للحريات الشخصية هي التي تفرض القيود على سلطات الضبط والتفتيش، وتجعل أي تجاوز لهذه القيود يؤدي إلى بطلان الإجراءات.  

شروط صحة إجراءات التفتيش والضبط

لضمان مشروعية إجراءات التفتيش والضبط في القانون الكويتي، يجب الالتزام بشروط دقيقة ومحددة. هذه الشروط ليست مجرد تفاصيل إجرائية، بل هي ضمانات أساسية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة سلطة الدولة.

إذن المحقق: الضرورة والكتابة

يشترط القانون الكويتي لصحة التفتيش أن يصدر إذن كتابي من المحقق المختص. هذا الإذن لا يصدر اعتباطًا، بل يجب أن يكون بعد عرض التحريات على المحقق وتأكده من وجود ضرورة تقتضي الإذن بالتفتيش. المادة 44 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تؤكد على هذا الشرط الجوهري، حيث تنص على أنه متى وجد رجل الشرطة أهمية تفتيش شخص أو مسكن، فإنه يجب أن يطلب إذنًا كتابيًا من المحقق المختص. هذا التأكيد على الطبيعة الكتابية للإذن يهدف إلى توثيق الإجراء وضمان الشفافية، مما يمنع أي تجاوزات غير موثقة.  

البيانات الجوهرية في إذن التفتيش

لا يكفي أن يكون الإذن كتابيًا فحسب، بل يجب أن يتضمن بيانات محددة ليكون صحيحًا قانونيًا. تشمل هذه البيانات: تاريخ إصداره، اسم من أصدره وصفته، والجهة التي ينتمي إليها، وأن يُذيل الإذن بتوقيعه وختم الجهة التي يعمل بها. كما يجب أن يحدد الإذن رقم الجريمة ونوعها، والسبب الداعي لإصدار الإذن أو الأشياء المراد ضبطها بواسطة التفتيش. والأهم من ذلك، يجب أن يحدد اسم المتهم وعنوانه تحديدًا نافيًا للجهالة، بحيث إذا كان للمتهم أكثر من منزل وجب أن يحدد في الإذن المنزل المطلوب تفتيشه. هذه الدقة في البيانات تضمن أن الإذن موجه لغرض محدد وشخص معين ومكان محدد، مما يحد من احتمالية إساءة استخدام السلطة.  

جدية التحريات ومشروعيتها

تعد جدية التحريات التي تسبق طلب الإذن بالتفتيش حجر الزاوية في صحة الإجراء. تقع على المحكمة مسؤولية الإشراف على مدى جدية هذه التحريات ومشروعيتها. فإذا لم تكن التحريات كافية أو مشروعة، مثل أن تكون مبنية على تلصص أو استراق سمع غير قانوني ، فإن التفتيش وما ترتب عليه من أدلة يصبح باطلاً. هذا الشرط يضمن أن الإجراءات تستند إلى معلومات موثوقة ومتحصلة بطرق قانونية، مما يحمي الأفراد من التفتيش التعسفي بناءً على مجرد شكوك غير مبررة.  

مراعاة الهدف من التفتيش

يجب أن يكون التفتيش بغرض ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق، وأن تستلزم مصلحة التحقيق القيام به، وألا توجد طريقة أخرى غير التفتيش. لا يجوز لمأمور الضبط القضائي السعي للبحث عن أشياء تتعلق بجريمة مختلفة لم يصدر بشأنها إذن. هذا يعني أن التفتيش يجب أن يكون محصورًا في إطار الجريمة التي صدر الإذن بشأنها، وأي تجاوز لهذا النطاق قد يؤدي إلى بطلان ما يتم ضبطه خارج هذا النطاق.  

تفتيش النساء

فيما يتعلق بتفتيش النساء، نصت المادة 82 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على وجوب أن يكون تفتيش النساء بواسطة سيدة يتم ندبها لهذا الغرض، وأن يكون الشهود أيضًا من النساء. هذا الشرط يعكس حساسية القانون الكويتي تجاه الأعراف الاجتماعية وحماية خصوصية المرأة، ويعد انتهاكه سببًا مباشرًا لبطلان إجراء التفتيش.  

إن هذه الشروط المفصلة والمتعددة تؤكد أن القانون الكويتي يولي أهمية قصوى للجانب الإجرائي، معتبراً أن الطريقة التي يتم بها جمع الأدلة لا تقل أهمية عن الأدلة نفسها. هذا التشدد في الشروط يهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين سلطة الدولة في إنفاذ القانون وحقوق الأفراد في الخصوصية والحرية، مما يرسخ مبدأ المحاكمة العادلة.

حالات التفتيش الجائزة قانوناً

إلى جانب الشروط العامة لصحة التفتيش، يحدد القانون الكويتي حالات معينة يجوز فيها إجراء التفتيش، سواء كان ذلك بأمر مسبق أو في ظروف استثنائية تستدعي التدخل الفوري.

التفتيش بأمر أو إذن من المحقق

هذا هو الأصل العام في إجراءات التفتيش، حيث يتطلب إذنًا كتابيًا مسبقًا من المحقق المختص. هذا الإذن يصدر بناءً على تحريات جدية تؤكد وجود ضرورة لإجراء التفتيش، كما نصت المادة 44 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية. هذا النوع من التفتيش يضمن أن الإجراء يتم بعد مراجعة قضائية أولية، مما يعزز من حماية حقوق الأفراد.  

التفتيش في حالات التلبس

يعد التفتيش في حالات التلبس استثناءً هامًا من القاعدة العامة التي تتطلب إذنًا مسبقًا. أجاز القانون الكويتي تفتيش الأشخاص أو مساكنهم دون إذن كتابي إذا حضر رجل الشرطة إلى محل الواقعة عند حدوث الجريمة أو أثناء وقوعها، فمن هنا تتحقق حالة التلبس. المادة 43 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تحدد هذه الحالة بدقة، فالتلبس يتحقق إذا شُهد ارتكاب جناية أو جنحة، أو إذا حضر رجل الشرطة إلى محل الحادث والجريمة لا تزال مشهودة. هذه الحالة تسمح بالتدخل السريع لضبط الجناة والأدلة قبل أن تختفي، ولكنها مقيدة بضرورة أن تكون الجريمة “مشهودة” أو واضحة المعالم.  

حالات أخرى يجوز فيها التفتيش

  • التفتيش الأولي للشخص المقبوض عليه: يجوز لمن يقوم بالقبض أن يفتش المقبوض عليه مبدئيًا لنزع الأسلحة وأي شيء يمكن استخدامه للمقاومة أو الإضرار بالنفس أو بالآخرين. هذا الإجراء يهدف إلى ضمان سلامة القائمين على الضبط وسلامة المقبوض عليه نفسه. إذا عُثر عرضًا على أشياء تتعلق بالجريمة أو مفيدة للتحقيق أثناء هذا التفتيش الأولي، فيجب ضبطها.  
  • دخول المنازل لتعقب شخص صدر أمر بالقبض عليه: ينص القانون على أن دخول المنازل وغيرها لملاحقة شخص صدر أمر بالقبض عليه من الجهة المختصة لا يترتب عليه بطلان القبض على هذا الشخص. هذا يعني أن حرمة المسكن يمكن اختراقها في حالات معينة لإنفاذ أوامر القبض الصادرة قانونًا، ولكن هذا لا يبرر تفتيش المسكن إلا لغرض العثور على الشخص المطلوب.  

إن التمييز الواضح بين حالات التفتيش التي تتطلب إذنًا مسبقًا وتلك التي تجيز التفتيش بدون إذن (في حالات التلبس أو الضرورة القصوى) يوضح أن القانون الكويتي يسعى لتحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن العام وضرورة حماية الحريات الفردية. فالاستثناءات من قاعدة الإذن المسبق محددة بدقة، ولا يمكن التوسع فيها إلا في أضيق الحدود، وذلك لضمان عدم تحول هذه الاستثناءات إلى ذريعة للتعسف.

أسباب بطلان الضبط والتفتيش في القانون الكويتي

تعتبر قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل” من أهم المبادئ القانونية التي تحكم صحة الإجراءات الجنائية في القانون الكويتي. هذه القاعدة تعني أن أي إجراء يتم اتخاذه بشكل مخالف للقانون يعتبر باطلاً، وبالتالي فإن جميع الأدلة أو النتائج التي تنشأ عن هذا الإجراء الباطل لا يمكن الاعتداد بها أمام المحكمة. هناك عدة أسباب رئيسية يمكن أن تؤدي إلى بطلان إجراءات الضبط والتفتيش:  

عدم كفاية أو عدم مشروعية التحريات

إذا ثبت للمحكمة أن التحريات التي استند إليها إذن التفتيش كانت غير جدية أو غير كافية، أو أنها تحصلت بطرق غير مشروعة، فإن الإذن الصادر بناءً عليها يكون باطلاً، وبالتالي يبطل التفتيش وما ترتب عليه من أدلة وإجراءات. على سبيل المثال، إذا كانت التحريات مبنية على مجرد “تلصص على المتهم من أقفال الأبواب أو الشقوق، أو استراق السمع، أو التصنت على المكالمات، أو مراقبة ما ينقل بواسطة الأجهزة الإلكترونية أو الوسائل البريدية أو التلغرافية” دون إذن قضائي ، فإنها تعد غير مشروعة. هذا يؤكد على أن المحكمة تمارس إشرافها على مدى جدية التحريات ومراقبة مدى قيامها على وسائل مشروعة.  

صدور الإذن بعد إجراء الضبط أو التفتيش

من أهم أسباب بطلان إجراءات الضبط والتفتيش أن يتم الإجراء فعليًا قبل صدور الإذن الكتابي من النيابة العامة أو المحقق. يجب أن يكون الإذن الكتابي سابقًا زمنيًا للتفتيش في التاريخ والوقت. فإذا تم القبض على أحد الأشخاص أو تفتيشه دون إذن من النيابة العامة في الكويت، يحق له التقدم بمذكرة الدفع ببطلان القبض والتفتيش لوقوعهما قبل صدور إذن النيابة العامة. هذا الشرط الزمني يضمن أن الإجراءات تتم بناءً على موافقة قضائية مسبقة وليست كإجراء لاحق لتبرير عمل غير قانوني.  

تجاوز حدود الإذن أو التعسف في تنفيذه

يجب أن يلتزم القائم بالتفتيش بحدود الإذن الصادر له، وأن يكون التفتيش بغرض ضبط الأدلة المتعلقة بالجريمة التي صدر الإذن بشأنها. فإذا تجاوز مأمور الضبط القضائي حدود الإذن أو تعسف في تنفيذه، فإن ما يتم ضبطه خارج نطاق الإذن قد يكون باطلاً. مثال على ذلك ما ورد في النص المقدم: “عند الحصول على إذن من جهة التحقيق المختصة لضبط سلاح غير مرخص بمنزل معين… وبجانب ضبطهم لهذا السلاح تم ضبط مواد مخدرة، فهنا يكون تصرف مأمور الضبط القضائي هو إثبات ذلك في محضر الضبط ومصادرة هذه المواد”.

ومع ذلك، إذا فتح مأمور الضبط علبة صغيرة بها مخدر في أثناء بحثه عن بندقية بدون ترخيص، ففي هذه الحالة يكون الضبط باطلاً إذا كان البحث عن المخدر بسعي مقصود وليس عرضيًا. هذا يوضح أن العثور العرضي على جريمة أخرى أثناء تفتيش مشروع جائز، لكن السعي المتعمد للبحث عن جريمة غير مأذون بها يبطل الضبط.  

التفتيش الليلي وشروطه

الأصل في القانون الكويتي أن يتم تفتيش المساكن نهارًا. لا يجوز تفتيش مسكن أو بناية ليلاً إلا في حالات استثنائية ضيقة، مثل وجود أمر يدعو إلى استعجال التفتيش ووجوبه ليلاً، أو إذا كانت الجريمة مشهودة. وفي كل الحالات، يجب الاستئذان من صاحب المسكن أو البناية أو المحل التجاري قبل التفتيش الليلي. أي تفتيش ليلي خارج هذه الاستثناءات يعتبر باطلاً.  

تفتيش النساء بواسطة رجل

كما ذكرنا سابقًا، نصت المادة 82 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على أن تفتيش النساء يجب أن يتم بواسطة سيدة مثلها. في حالة أن تم تفتيش السيدة عن طريق رجل وليس أنثى مثلها، فهنا تبطل إجراءات التفتيش . هذا الشرط الجوهري يحمي خصوصية المرأة ويضمن أن الإجراء يتم وفقًا للضوابط القانونية والأخلاقية.  

التخلي غير الاختياري

إذا تم تسليم مواد أو أشياء للضابط بناءً على أمره أو إكراه وليس بتخلٍ اختياري من الشخص، فإن الضبط الناتج عن ذلك قد يكون باطلاً. على سبيل المثال، إذا أمر الضابط شخصًا بإخراج ما معه، وقام الشخص بتسليم مادة مخدرة، فإن هذا لا يعتبر تخليًا اختياريًا وبالتالي يكون الضبط باطلاً. هذا المبدأ يحمي الأفراد من الإكراه على تسليم الأدلة.  

عدم تحقق حالة التلبس بشروطها

مجرد الاشتباه أو مشاهدة المتهم في حالة غير طبيعية (مثل عدم الاتزان أو تلعثم في الحديث أو احمرار العينين) لا يكفي لتبرير القبض والتفتيش بدون إذن. يجب أن تتوافر شروط التلبس الصريحة التي نص عليها القانون، كأن تُشهد الجريمة أثناء ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة وجيزة. فإذا لم تتوافر حالة التلبس بشروطها، فإن القبض والتفتيش يكونان باطلين.  

توضح هذه الأسباب أن القانون الكويتي يوفر حماية قوية للأفراد ضد أي انتهاك لحقوقهم خلال إجراءات الضبط والتفتيش. إن فهم هذه الأسباب الدقيقة هو مفتاح الدفع ببطلان الإجراءات، مما يؤدي إلى استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة، وبالتالي ضمان محاكمة عادلة.

أثر بطلان إجراءات الضبط والتفتيش

عندما يثبت بطلان إجراءات الضبط والتفتيش، فإن هذا البطلان لا يظل مجرد مخالفة إجرائية، بل يترتب عليه آثار قانونية جوهرية تؤثر بشكل مباشر على سير الدعوى الجنائية ومصير المتهم.

قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل” وتطبيقها

تُعد قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل” حجر الزاوية في القانون الإجرائي الكويتي. هذه القاعدة تعني أن أي دليل يتم الحصول عليه كنتيجة مباشرة لإجراء ضبط أو تفتيش باطل، يُعتبر هو نفسه باطلاً ولا يمكن الأخذ به في المحاكمة. فالقانون لا يعتد بالنتائج المتحصلة من إجراءات غير مشروعة، حتى لو كانت هذه النتائج صحيحة في ذاتها. هذا المبدأ يرسخ التزام القضاء الكويتي بحماية الحريات الشخصية وضمان مشروعية الإجراءات، معتبراً أن سلامة الإجراءات هي أساس لسلامة الحكم. إن هذا المبدأ لا يهدف فقط إلى معاقبة الخطأ الإجرائي، بل يهدف إلى ردع السلطات عن تجاوز صلاحياتها، وبالتالي حماية حقوق الأفراد من أي تعسف.  

استبعاد الأدلة المستمدة من الإجراء الباطل

النتيجة المباشرة لتطبيق قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل” هي استبعاد جميع الأدلة التي تم الحصول عليها كنتيجة مباشرة للإجراء الباطل. هذا يعني أن المحكمة لا تأخذ بما توصل إليه التحقيق من أدلة تتعلق بإدانة المتهم إذا كانت مستمدة من تفتيش أو ضبط غير قانوني. على سبيل المثال، إذا تم تفتيش مسكن بشكل باطل وعُثر على مواد مخدرة، فإن هذه المواد المخدرة لا يمكن استخدامها كدليل ضد المتهم. هذا الاستبعاد لا يشمل فقط الأشياء المادية المضبوطة، بل يمتد ليشمل أي اعترافات أو معلومات تم الحصول عليها نتيجة لذلك الإجراء الباطل.  

تأثير البطلان على سير الدعوى الجنائية

قد يؤدي بطلان الإجراءات إلى براءة المتهم إذا كانت الأدلة الباطلة هي الأدلة الوحيدة أو الأساسية التي استندت إليها النيابة العامة في توجيه الاتهام. في مثل هذه الحالات، ومع استبعاد الأدلة الباطلة، قد تجد المحكمة أن الأوراق خالية من أي أدلة أخرى كافية للإدانة، مما يوجب القضاء بالبراءة. كما يمكن أن يؤدي البطلان إلى إخلاء سبيل المتهم إذا كان حبسه الاحتياطي مبنيًا على أدلة باطلة.  

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن بطلان القبض والتفتيش لا يحول دون الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى المستقلة عن الإجراء الباطل. على سبيل المثال، إذا كان هناك اعتراف لاحق للمتهم تم الإدلاء به طواعية ودون تأثير للإجراء الباطل، أو أقوال لشهود مستقلين تمامًا عن التفتيش الباطل، فإن هذه الأدلة قد تظل صالحة للاعتماد عليها. تقدير مدى صلة الاعتراف بالتفتيش الباطل هو من سلطة محكمة الموضوع. هذا التفريق يضمن أن العدالة لا تُعطل تمامًا بسبب خطأ إجرائي، ولكنها تُعطل فقط فيما يتعلق بالأدلة الملوثة بذلك الخطأ.  

دور المحامي في الدفع ببطلان الإجراءات

يعد دور المحامي محوريًا وحاسمًا في قضايا الضبط والتفتيش، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدفع ببطلان الإجراءات. إن الخبرة القانونية المتخصصة هي المفتاح لاكتشاف الثغرات الإجرائية التي قد تؤدي إلى تغيير مسار القضية بالكامل.

أهمية الخبرة القانونية في اكتشاف الثغرات

يكمن الدور الحيوي للمحامي في قدرته على تحليل ملف القضية بدقة متناهية، والبحث عن أي ثغرات أو خروقات قانونية في إجراءات الضبط والتفتيش. هذه الثغرات قد لا تكون واضحة لغير المتخصصين، وتتطلب فهمًا عميقًا للقانون والإجراءات القضائية، بالإضافة إلى القدرة على ربط الوقائع بالنصوص القانونية والسوابق القضائية. فالمحامي الخبير يستطيع أن يلاحظ أي تناقض في التحريات، أو عدم استيفاء الإذن لبياناته الجوهرية، أو وقوع الإجراء قبل صدور الإذن، أو تجاوز حدود التفتيش المسموح بها.  

استراتيجيات الدفاع القانوني

يقوم المحامي بتقديم الدفوع الشكلية والموضوعية أمام المحكمة. من أبرز هذه الدفوع:  

  • الدفع بعدم جدية التحريات أو عدم مشروعيتها: حيث يطعن المحامي في الأسس التي بني عليها إذن التفتيش، موضحًا أنها غير كافية أو أنها تحصلت بطرق غير قانونية.  
  • الدفع بصدور الإذن بعد الضبط أو التفتيش: وهو دفع زمني يثبت أن الإجراء تم قبل الحصول على الموافقة القضائية المسبقة.  
  • الدفع بعدم تحقق حالة التلبس: إذا كان القبض والتفتيش قد تم دون إذن بحجة التلبس، يطعن المحامي في عدم توافر الشروط القانونية الصارمة لحالة التلبس.  
  • الدفع بتجاوز حدود الإذن: حيث يثبت المحامي أن مأمور الضبط القضائي قد تجاوز النطاق المحدد له في إذن التفتيش.  

هذه الدفوع يمكن إثارتها في مراحل مختلفة من المحاكمة. فإذا كان سبب البطلان موضوعيًا ويتعلق بالنظام العام، فيمكن إثارته في أي مرحلة من مراحل المحاكمة، حتى لأول مرة أمام محكمة التمييز إذا لم يحتج إثباته إلى تحقيق موضوعي. أما إذا كان يتعلق بالشروط الشكلية، فيجب إثارته في أول جلسة من جلسات المحاكمة. هذا التمييز يبرز مدى تعقيد الإجراءات القانونية وأهمية الاستشارة القانونية المتخصصة.  

دور الأستاذة المحامية خيرية الرشيدي ومجموعة المشرع القانونية

يتميز مكتب مجموعة المشرع القانونية، بقيادة الأستاذة المحامية خيرية الرشيدي ، بخبرته الواسعة في التعامل مع قضايا الضبط والتفتيش، وتقديم الاستشارات القانونية المتخصصة لضمان حقوق الموكلين وحمايتهم من أي إجراءات باطلة. إن القدرة على تحليل الأدلة الجنائية والتنقيب عن أي ثغرات أو خروقات قانونية في جمع الأدلة للطعن في مصداقيتها، بالإضافة إلى بناء استراتيجية دفاع قوية، هي ما يميز عمل المحامين المتخصصين في هذا المجال. هذا الدور يضمن أن العدالة لا تتأثر بالتعسف في استخدام السلطة أو الأخطاء الإجرائية، مما يوفر حماية حقيقية للأفراد.  

افضل محامية كويتية 2025 : مجموعة المشرع القانونية

أحكام محكمة التمييز الكويتية المتعلقة ببطلان التفتيش

تُعد أحكام محكمة التمييز الكويتية، بصفتها أعلى سلطة قضائية، مرجعًا أساسيًا في تفسير وتطبيق القانون، وتلعب دورًا حاسمًا في ترسيخ مبادئ بطلان إجراءات الضبط والتفتيش. هذه الأحكام توضح كيف يتم تطبيق المبادئ القانونية على أرض الواقع، وتقدم أمثلة عملية للثغرات التي يمكن للمحامين الاستناد إليها.

أمثلة من السوابق القضائية التي رسخت مبادئ البطلان

  • الاشتباه غير المبرر: لقد أكدت محكمة التمييز مرارًا أن مجرد مشاهدة المتهم في حالة عدم اتزان أو تلعثم في الحديث أو احمرار العينين لا يجيز للضابط القبض عليه وتفتيش سيارته. هذه الأمور تبيح للضابط فقط استيقافه لتحري حقيقة أمره، بشرط ألا تتضمن إجراءاته تعرضًا ماديًا للمتحرى عنه ينطوي على مساس بحريته الشخصية. فإذا قام الضابط بالقبض والتفتيش بناءً على اشتباه غير مبرر، فإن هذا الإجراء يكون باطلاً، ويبطل الدليل المستمد منه. هذا يرسخ مبدأ أن مجرد الشك لا يبرر انتهاك الحريات.  
  • هدف التفتيش: شددت المحكمة على أن هدف القائم بالتفتيش يجب أن يكون ضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة التي قُبض عليه بشأنها، ولا يجوز له السعي للبحث عن أشياء تتعلق بجريمة مختلفة. على سبيل المثال، إذا قُبض على طاعن لاتهامه بجريمة سرقة، وقام المحقق بإحالته للأدلة الجنائية للبحث عن مخدر وليس عن شيء يتعلق بالسرقة، فإن هذا الإجراء يعتبر غير جائز. وإذا انتهى الحكم إلى صحة هذا التفتيش وما أسفر عنه من دليل، فإنه يعيبه ويوجب تمييزه. هذا يبرز أهمية الالتزام بنطاق الإذن القضائي.  
  • التخلي غير الاختياري: قضت المحكمة بأن تسليم الطاعن مادة مخدرة وأقراص من مؤثرات عقلية للضابط بناءً على أمره له بإخراج ما معه، لا يعتبر تخليًا اختياريًا. وبالتالي، فإن ضبط تلك المواد المخدرة وما ضبط بعدها وتفتيش السيارة يكون باطلاً. هذا الحكم يؤكد على ضرورة أن يكون التخلي عن الشيء بإرادة حرة ومطلقة، دون أي إكراه أو أمر من السلطة.  
  • تفتيش المسكن: أكدت المحكمة أن الدفع ببطلان تفتيش المسكن شرع للمحافظة على حرمة المكان، ولا يقبل التمسك به من غير حائزه ولو كان يستفيد منه. كما أوضحت أن حضور المتهم التفتيش ليس شرطًا جوهريًا لصحته. هذه الأحكام تحدد من له الحق في الطعن بالبطلان وتوضح بعض الجوانب الإجرائية للتفتيش.  
  • أثر البطلان: رسخت محكمة التمييز مبدأ أن بطلان التفتيش لا يحول دون الأخذ بعناصر الإثبات المستقلة عنه. فإذا كان هناك اعتراف لاحق للمتهم، أو أقوال لشهود، وكانت هذه الأدلة مستقلة تمامًا وغير مستمدة من الإجراء الباطل، فيمكن للمحكمة أن تعتمد عليها. ومع ذلك، فإن بطلان التفتيش الذي أجراه رجل الشرطة يؤدي إلى بطلان الدليل المستمد من هذا الإجراء الباطل، لأن ما بني على باطل فهو باطل. هذا يوضح أن المحكمة توازن بين استبعاد الأدلة الملوثة وبين الحفاظ على الأدلة الصحيحة التي لا علاقة لها بالبطلان.  

إن هذه الأحكام القضائية من محكمة التمييز لا تقدم فقط تفسيرًا للقانون، بل تشكل سوابق قضائية توجه المحاكم الأدنى وتوضح للمحامين والمتقاضين كيفية تطبيق مبادئ بطلان الإجراءات في الواقع العملي. هذا يعزز من قوة القانون ويضمن حماية الحقوق والحريات.

الأسئلة الشائعة حول بطلان إجراءات الضبط والتفتيش:

هذا القسم يجيب على بعض الأسئلة المتكررة حول بطلان إجراءات الضبط والتفتيش في القانون الكويتي لتقديم إيضاحات سريعة ومباشرة.

ما هو بطلان إجراءات القبض والتفتيش؟

بطلان إجراءات القبض والتفتيش يعني عدم الأخذ بما توصل إليه التحقيق من أدلة تتعلق بإدانة المتهم، واعتبار كل ما نتج عن القبض والتفتيش باطلاً، وذلك تطبيقًا لقاعدة “ما بني على باطل فهو باطل”.

من له حق إصدار إذن التفتيش في الكويت؟

يحق للنائب العام أو من يفوضه بذلك من المحققين إصدار إذن التفتيش، وذلك بعد التأكد من جدية التحريات وضرورة الإجراء.

هل يجوز تفتيش المسكن ليلاً في القانون الكويتي؟

الأصل هو التفتيش نهارًا. لا يجوز تفتيش مسكن أو بناية ليلاً إلا في حالات استثنائية كالجريمة المتلبس بها، أو بوجود أمر يدعو إلى استعجال التفتيش ووجوبه ليلاً، وفي كل الحالات يجب الاستئذان من صاحب المسكن.

ماذا يحدث إذا تم ضبط مواد أخرى غير المذكورة في إذن التفتيش؟

إذا ظهرت هذه المواد عرضًا أثناء التفتيش المشروع الذي كان له هدف آخر، يتم ضبطها وإثباتها في محضر الضبط. أما إذا كان الضبط بسعي مقصود للبحث عنها خارج نطاق الإذن، فقد يكون باطلاً.

متى يجب إثارة الدفع ببطلان التفتيش؟

إذا كان سبب البطلان موضوعيًا (يتعلق بالنظام العام)، فيمكن إثارته في أي مرحلة من مراحل المحاكمة، حتى لأول مرة أمام محكمة التمييز. أما إذا كان يتعلق بالشروط الشكلية، فيجب إثارته في أول جلسة من جلسات المحاكمة.

الخاتمة: ضمان العدالة وحماية الحريات

في الختام، يتضح أن صحة إجراءات الضبط والتفتيش في القانون الكويتي ليست مجرد تفاصيل إجرائية، بل هي ضمانة أساسية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة سلطة الدولة. إن التزام الجهات المختصة بالضوابط القانونية الصارمة التي وضعها المشرع الكويتي يضمن أن العدالة تتحقق ليس فقط من خلال كشف الجرائم، بل أيضًا من خلال احترام الإجراءات القانونية التي تكفل المحاكمة العادلة.

إن مبدأ “ما بني على باطل فهو باطل” يظل ركيزة أساسية في النظام القانوني الكويتي، مؤكداً على أن أي تجاوز أو إخلال بالشروط القانونية يؤدي إلى إبطال الأدلة المستمدة من الإجراءات المعيبة. هذا المبدأ يعكس التزام دولة الكويت بحماية حقوق الإنسان وضمان عدم التعسف في استخدام السلطة، مما يرسخ الثقة في النظام القضائي.

في حال تعرض أي فرد لأي إجراءات ضبط أو تفتيش يشعر بأنها قد تكون باطلة، أو لديه أي استفسارات قانونية تتعلق بحقوقه، فإن مجموعة المشرع القانونية، بقيادة الأستاذة المحامية خيرية الرشيدي، تقدم الاستشارات والتمثيل القانوني المتخصص. يلتزم المكتب بتقديم حلول قانونية دقيقة ومُخصصة تُلبي تطلعات العملاء وتضمن حقوقهم. يمكن التواصل مع مجموعة المشرع القانونية للحصول على دعم قانوني موثوق.

المراجع

بوابة القوانين