
حبس المدين في الكويت 2025
حبس المدين في القانون الكويتي 2025
إن القضايا المالية هي في صميم حياة الأفراد والمؤسسات، وفي خضم العلاقات التجارية والالتزامات الشخصية، قد يجد البعض نفسه في دوامة من الديون التي قد تتجاوز قدرته على السداد، وقد يجد آخرون أن حقوقهم المالية مهددة بالضياع بسبب مماطلة مدين مقتدر. هنا، يبرز التساؤل حول الأدوات القانونية المتاحة لحماية الحقوق. في دولة الكويت، وبعد رحلة تشريعية شهدت إلغاء ثم إعادة العمل بهذا النظام، عاد حبس المدين في القانون الكويتي إلى الواجهة مجدداً في عام 2025، ولكن هذه المرة بضوابط أكثر دقة ووضوحاً لتحقيق العدالة المتوازنة.
لطالما كان مفهوم حبس المدين محاطًا بالكثير من الجدل، فهو يمس حرية الفرد من جهة، ويهدف إلى حماية حقوق الدائنين وتعزيز الثقة في المعاملات المالية من جهة أخرى. هذا المقال، الذي أعدته لكم مجموعة المشرع القانونية بالتعاون مع المحامية خيرية الرشيدي، يسلط الضوء على هذا التطور القانوني الهام، ويفكك كل تفاصيله ليكون دليلك الشامل لفهم أحكام حبس المدين في القانون الكويتي.
التطورات التشريعية حول حبس المدين في الكويت: من الإلغاء إلى العودة
لفهم المشهد الحالي، يجب العودة قليلًا إلى الوراء. في عام 2020، شهد النظام القانوني الكويتي تحولاً جذريًا حين تم إلغاء نظام حبس المدين بموجب القانون رقم 71 لسنة 2020 بشأن الإفلاس. كان هذا التوجه يهدف إلى إيجاد بدائل أخرى أكثر حداثة في التعامل مع ملفات الإفلاس وتسوية الديون، وهو ما أثار جدلاً واسعًا حول مدى فعالية هذه البدائل في حماية حقوق الدائنين من المدينين المماطلين.
ومع تزايد الحاجة إلى أداة تنفيذية أكثر حزمًا، صدر في مطلع عام 2025 المرسوم بقانون رقم 58 لسنة 2025، الذي أحدث تعديلًا جوهريًا على قانون الإفلاس. هذا المرسوم ألغى شطب بعض مواد قانون المرافعات المدنية والتجارية، وتحديدًا تلك المتعلقة بأوامر الضبط والإحضار وحبس المدين. لم يكن هذا التعديل مجرد إعادة للنظام القديم، بل كان خطوة مدروسة لإعادة التوازن بين حقوق الأطراف، ليعود نظام حبس المدين كآلية لإجبار المدين المقتدر على الوفاء بالتزاماته المالية.
إن هذا الإجراء يمثل تحولًا استراتيجيًا في سياسة التنفيذ المدني بدولة الكويت، وله أثر إيجابي على البيئة الاقتصادية والاستثمارية، حيث يعزز من ثقة الدائنين في قدرتهم على استيفاء حقوقهم، مما يحد من الديون المعدومة ويشجع على الاستثمار. هذا التعديل يتوافق مع رؤية “كويت جديدة 2035″، التي تسعى لتطوير النظام القانوني والاقتصادي بشكل مستمر.
ما هو حبس المدين؟ والفرق بين الحبس التنفيذي والجزائي
يخلط الكثيرون بين أنواع الحبس، لذا من المهم توضيح الفرق. إن حبس المدين هو “حبس تنفيذي” أو “حبس تهديدي”. هو وسيلة إكراه بدني تهدف إلى إجبار المدين المقتدر على سداد ديونه للدائن، وهو يختلف بشكل قاطع عن “الحبس الجزائي” الذي يُفرض كعقوبة على جريمة جنائية.
في نظام حبس المدين في القانون الكويتي الجديد، يُحبس المدين ليس كعقاب على جريمة ارتكبها، بل كإجراء قانوني يهدف إلى الضغط عليه للالتزام بالوفاء بالتزاماته. ويتم تنفيذ هذا الحبس بمعزل عن المحكوم عليهم بقضايا جزائية، مع تهيئة الفرصة للمدين داخل الحبس لتسوية ديونه أو الوفاء بها.
شروط وأحكام حبس المدين في القانون الكويتي 2025
لا يمكن إصدار أمر بضبط وإحضار وحبس المدين بشكل عشوائي، بل هناك شروط صارمة يجب توافرها:
- حكم قضائي نهائي: يجب أن يكون هناك حكم قضائي نهائي واجب التنفيذ يُلزم المدين بسداد الدين. لا يجوز الحبس بناءً على أمر غير قطعي أو حكم ابتدائي.
- قدرة المدين على السداد: يُطبق قانون حبس المدين على المدين “الموسر” أي القادر على السداد لكنه يمتنع عن ذلك. أما المدين “المعسر” الذي لا يملك القدرة المالية، فلا يُطبق عليه هذا القانون.
- مدة الحبس القصوى: تُحدد مدة الحبس التنفيذي بستة أشهر كحد أقصى، ولا يمكن تجاوزه.
- المهلة والتقسيط: قبل الحبس، قد يُمنح المدين مهلة للوفاء بالدين لا تتجاوز شهرًا. كما يمكن تقسيط الدين بموافقة الدائن، وفي حال تخلف المدين عن سداد أي قسط، يسقط أمر التقسيط.
حالات منع حبس المدين في الكويت: حماية للمدين المعسر
لتحقيق العدالة، وضع المشرع الكويتي قائمة واضحة بالحالات التي يمنع فيها إصدار أمر حبس المدين، وهذه الحالات تعكس الجانب الإنساني للقانون:
- السن: يُمنع حبس المدين إذا كان سنه أقل من 21 عامًا أو تجاوز 65 عامًا.
- الوضع العائلي: يُمنع حبس المدين إذا كان له أبناء قُصَّر (أقل من 18 عامًا)، أو إذا كان زوجها متوفى أو محبوسًا.
- الوضع الصحي: إذا ثبت بتقرير طبي أن المدين يعاني من مرض لا يتحمل معه الحبس، فلا يجوز حبسه.
- المرأة الحامل: تُمنع من الحبس خلال فترة حملها.
- تقديم ضمانات: إذا قدم المدين كفالة مصرفية كافية، أو ضمانًا عينيًا يغطي قيمة الدين، أو كفيلاً مقتدرًا يوافق عليه القاضي.
- أموال محصنة: إذا كانت جميع أموال المدين محصنة من الحجز.
إجراءات تنفيذ أمر حبس المدين في القانون الكويتي
يجب على الدائن الراغب في استصدار أمر حبس المدين أن يتبع إجراءات قانونية محددة:
- تقديم طلب: يقوم الدائن بتقديم طلب إلى إدارة التنفيذ المختصة في المحافظة التابع لها.
- المستندات المطلوبة: يُرفق مع الطلب صورة من البطاقة المدنية للدائن، وصورة من الحكم القضائي النهائي الذي يثبت الدين.
- الرسوم: قيمة الرسوم لطلب الحبس هي دينار كويتي واحد فقط.
- مراجعة الطلب: تقوم إدارة التنفيذ بمراجعة الطلب والمستندات للتأكد من استيفاء الشروط القانونية اللازمة، مثل نهائية الحكم.
- الإصدار والتنفيذ: إذا توافرت الشروط، يصدر القاضي أمرًا بضبط وإحضار المدين وحبسه للمدة المقررة قانونًا.
تجدر الإشارة إلى أن حبس المدين لا يُطبق على المدين المعسر، وإن صدر أمر بالخطأ، يمكن للمدين التظلم أمام دائرة التظلمات، وفي حال ثبت إعساره، يُلغى الأمر ويعتبر كأن لم يكن. وإذا كان المدين شخصًا اعتباريًا، يصدر أمر الحبس بحق المسؤول الشخصي عن الامتناع عن التنفيذ.
حالات سقوط أمر حبس المدين
ينتهي أمر الحبس في أي وقت إذا تحققت إحدى الحالات التالية:
- موافقة الدائن: إذا وافق الدائن كتابةً على إسقاط أمر الحبس.
- سداد الدين: إذا قام المدين بالوفاء بالتزامه المالي.
- سقوط الشروط: إذا سقط أي من الشروط المطلوبة لإصدار أمر الحبس، أو ظهر مانع قانوني جديد.
لأسئلة الشائعة حول حبس المدين في الكويت:
هل يطبق قانون حبس المدين على المدين المعسر؟
لا، يطبق القانون فقط على المدين “الموسر” القادر على سداد دينه لكنه يرفض أو يماطل. المدين المعسر محمي قانوناً، وإذا صدر أمر حبس ضده، يمكنه التظلم لإلغائه.
ما هي المدة القصوى لحبس المدين؟
المدة القصوى لحبس المدين هي ستة أشهر، ولا يمكن تجاوز هذه المدة.
هل يمكن إيقاف أمر حبس المدين بعد إصداره؟
نعم، يسقط أمر الحبس إذا وافق الدائن كتابيًا على إسقاطه، أو إذا تم الوفاء بالدين، أو إذا تحققت أي من موانع الحبس القانونية.
ما الفرق بين الحبس التنفيذي والحبس الجزائي؟
الحبس التنفيذي هو إجراء إكراهي لإجبار المدين على الوفاء بالتزام مالي، وهو ليس عقوبة جنائية. أما الحبس الجزائي فهو عقوبة تُفرض على ارتكاب جريمة جنائية.
هل يمكن تقسيط الدين لتجنب الحبس؟
نعم، يمكن منح المدين مهلة شهر للوفاء بالدين، كما يمكن تقسيطه بموافقة الدائن. لكن إذا تخلف المدين عن سداد أي قسط، يسقط أمر التقسيط.

الخاتمة
إن عودة نظام حبس المدين في القانون الكويتي في عام 2025 تعكس رؤية تشريعية تهدف إلى تحقيق التوازن الدقيق بين صون الحقوق الفردية وتعزيز الثقة في البيئة المالية. لقد أثبت المشرع الكويتي من خلال هذه التعديلات حرصه على تطوير المنظومة القانونية بما يضمن حماية الدائنين دون إلحاق الظلم بالمدينين المعسرين.
في هذا السياق، يبقى القانون أداة إنسانية تسعى إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد، ولا يمكن التعامل مع تفاصيل هذه الأحكام القانونية الدقيقة دون الاستعانة بالخبرة المتخصصة. لذلك، تنصحكم مجموعة المشرع القانونية و المحامية خيرية الرشيدي قبل اتخاذ أي خطوة قانونية لضمان حماية حقوقكم بشكل كامل.